مفهوم الربا:
الربا لغة هو الزيادة
أما اصطلاحًا فهو زيادة أحد البديلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض وقد جاء حكم الإسلام القاطع بتحريم الربا، وهذا الحكم القاطع لم يأت إلا بعد مراحل تدرج فيها القرآن بنفس المنهج في تحريم الخمر.
مراحل تحريم الربا:
1. الإشارة العابرة دون أن يرتب على ذلك عقابًا، وذلك بهدف الإعداد النفسي للأحكام التي تمس عادات وتقاليد متأصلة في النفوس وقد ورد ذلك في قوله تعالى: "وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون". الروم: آية 39
2. التلويح دون النص الصريح بالحرمة حيث يورد القرآن جانباً من سيرة اليهود الذين حرم الله عليهم الربا فأكلوه فعاقبهم بمعصيتهم حيث يقول: "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابًا أليما". النساء: آية 160
3. التحريم الجزئي حيث حرم الله الربا الفاحش الذي يزيد حتى يصير أضعافًا مضاعفة فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون". آل عمران: آية 120
4. التحريم الحاسم حيث حرم الله كل ما يزيد عن رأس مال الدين وذلك في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين". البقرة: آية 278
والربا الذي جاء تحريمه في القرآن الكريم يسمى ربا النسيئة وهو الذي يقع بين الدائن والمدين بفرض زيادة على أصل الدين في مقابل تأجيل دفع الدين مدة معينة، روى البخاري عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ربا إلا في النسيئة".
وعن فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا".
ربا الفضل:
وهو بيع المتماثلين بزيادة أحدهما عن الآخر كمن باع مكيالاً من القمح بمكيال ونصف منه.
وثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد".
حكمة تحريم الربا:
إن الحكمة الواضحة من تحريم الربا هي منع الظلم وأكل أموال الناس بالباطل وهي العلة التي وردت في قوله تعالى: "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون".
وإذا كان النشاط الإنساني جميعه نشاطًا تعبديًا فإن المعاملات الربوية مخالفة عظيمة للشريعة ويكفي أن يعتبرها القرآن الكريم محاربة سافرة لله ورسوله وبغيًا على عباده وتحكمًا في أرزاقهم وإفساد حياتهم لذلك تولى الله الدفاع عن هؤلاء الضعفاء بقوله تعالى: "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله". البقرة: آية 279
الفائدة والربا:
يعتبر سعر الفائدة بمثابة الثمن الذي يدفعه مقترض رأس المال للحصول على خدمات مئة وحدة نقدية لمدة سنة واحدة. ويتحدد هذا السعر كأي سعر آخر أي بتلاقي طلب وعرض الادخار والاستثمار ويرى كينز أن سعر الفائدة ليس ثمنًا للادخار وإنما هو ثمن للنزول عن السيولة أي ثمن النقود ويتحدد سعر الفائدة في السوق بتعادل الطلب على النقود مع عرضها باعتبار أن النقود أصل كامل السيولة فكلما كان تفضيل الأفراد للسيولة قويًا كلما ارتفع سعر الفائدة والذي يدفع هؤلاء الأفراد ويغريهم للتنازل عن النقود التي يحتفظون بها.
مبررات الاقتصاديين الوضعيين للفائدة والرد عليها:-
يرى الاقتصاديون الوضعيون أن الفائدة تأخذ للأسباب الآتية:-
1. تغطية نفقات معينة لإدارة البنك:-
النفقة في الشريعة مشروعة، فنفقة سداد القرض في مكان غير المكان الذي تم فيه الإقراض يتحملها طالب النقل سواء كان الدائن أو المدين، ولذا جوز الفقهاء أجرة السمسرة (الوساطة في الصفقات)، وأجرة كتابة الوثائق والخطابات وإمساك الدفاتر والسجلات وغيرها.
2. الفائدة هي ثمن المخاطرة بالقرض: وذلك أن الذي يقرض غيره يعرض ماله للمخاطرة، ولكن هل الفائدة تضمن أصل القرض، فالواقع أن الفائدة وأصل الدين يكون معرضًا للمخاطرة والذي يضمن زوال الخطر هو قيام المقرض بارتهان أشياء عينية مقابل القرض.
3. الفائدة مكافأة على الإيثار، فالإيثار عمل أخلاقي يقوم به الإنسان ابتغاء مرضاة الله، ولا يمكن أن يكون وسيلة للكسب.
4. الفائدة تعويض عن تعطيل استثمار رأس المال، أو انخفاض القوة الشرائية للنقود بسبب التضخم.
والواقع أن الجزء الأكبر من الأموال المتاحة للإقراض هي مدخرات، وليس هناك ما يقطع أن البديل عن إقراض هذه الأموال بفائدة هو استثمارها، بل قد يتم استهلاك هذه المدخرات استهلاكًا تبديديًا أو كماليًا.
المعاملات المصرفية بين المجتمع الإسلامي والمجتمع العالمي:-
لقد أصبحت المصارف ضرورة اقتصادية لما تقوم به من وظائف تتعلق بالتبادل والإنتاج ومع ذلك فإن الذي يطرح نفسه هو الأسلوب الذي تؤدي به هذه المصارف وظائفها الأساسية، وما هي البدائل الإسلامية التي يمكن أن تحل محل هذا الأسلوب وبشكل عام ليس كل المعاملات التي يمارسها المصرف التجاري هي معاملات ربوية فالمعاملات التي يجريها البنك ويتقاضى مقابلها مجرد أجره لا تعد ربا وليست محرمة شرعًا.
ونشير إلى بعض المعاملات المصرفية التي يقوم بها المصرف التجاري ثم نقدم البديل الإسلامي للمعاملات المحرمة من الناحية الشرعية.
أولاً: قبول الودائع:-
وتكون على ثلاث أشكال:
1. الودائع تحت الطلب وتسمى بالحساب الجاري ويمكن للمودع أن يسحب منه متى شاء وله أن يسحبها كلها، ولا تعطي المصارف عملاءها أية فائدة على الحساب الجاري بل قد تفرض عليهم عمولة محددة مقابل العمليات الدفترية ويقوم المصرف الإسلامي بالتعامل مع هذه الودائع بنفس المعاملة.
2. الودائع الإدخارية وهي ودائع تتسم بصغر حجمها ويمكن لصاحبها بموجب دفتر التوفير الذي يمنحه له المصرف أن يقوم بسحب جزء من الوديعة أو كلها وتقوم المصارف بدفع فوائد على هذه الودائع بحسب مدتها.
وهذه الفوائد محرمة شرعًا، ويقوم المصرف الإسلامي بالتعامل مع هذه الودائع ضمن نظام المشاركة في الأرباح والخسائر.
3. الودائع لأجل وهي ودائع يقوم أصحابها بإبداعها نظير فائدة يستحقونها بحسب مدة الوديعة وحجمها.
وهذه الودائع محرمة شرعًا ويقوم المصرف الإسلامي بالتعامل مع هذه الودائع ضمن نظام المشاركة في الأرباح والخسائر.
ثانيًا: منح القروض:
تقوم المصارف بتقديم قروض لطالبيها مقابل دفعهم فائدة، ويختلف سعر الفائدة تبعًا للمركز المالي للمقترض وغرض القرض ونوع الضمان المقدم وفترة القرض والحالة الاقتصادية في الدولة.
ومنح القروض على هذه الصورة محرم شرعًا ويمكن للمصرف الإسلامي أن يقوم بتمويل المشروعات ضمن نظام المشاركة بين رأس المال والإدارة وبالمشاركة بالأرباح والخسائر.
ثالثًا: فتح الاعتماد:-
هو اتفاق بين المصرف وعميله يتعهد المصرف بمقتضاه بوضع مبلغ من المال تحت تصرف العميل لمدة معينة، ويستفيد العميل بسحب شيكات على هذا المبلغ أو تحرير أوراق تجارية أو قبضه كله أو جزء منه، وفي المقابل يتعهد برد المبالغ التي سحبها وما يترتب عليها من فوائد ومصروفات.
ويقوم العميل بتقديم ضمانات للمصرف ليمنحه فتح اعتماد مالي مثل مرتبه الحكومي أو عقاره أو غير ذلك من الضمانات.
وفي بعض الحالات يكتفي المصرف بإمضاء العميل كضمان وهذه الحالات لا يستفيد منها سوى العملاء أصحاب المراكز المالية المشهورة.
ويعتبر فتح الاعتماد قبل السحب مجرد وعد بالقرض، أما إذا تم سحب مبالغ من الاعتماد فيتم احتساب فائدة وتأخذ حكم القرض الربوي.
أما إذا فتح الاعتماد ولم يتم السحب منه وانتهت المدة اللازمة فلا شئ في ذلك إلا كراه الاتفاق على قرض بفائدة لم يتحقق.
رابعًا: خطابات الضمان:
وهو تعهد كتابي بوجه إلى دائني العميل يتضمن ضمان البنك تنفيذ العميل لالتزامه تجاه دائنيه.
وهي على أنواع وتتقاضى المصارف عمولة مقابل إصدار خطاب الضمان وهذه العمولة تختلف حسب طبيعة ونوع خطاب الضمان.
وخطاب الضمان إما أن يأخذ صورة الوكالة أو الكفالة، وهي من الأمور المقررة شرعًا ومثبتة بالسنة والإجماع منذ العصر الأول ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم"
خامسًا: الأعمال المصرفية الاستثمارية:-
وتنقسم الأعمال المصرفية الاستثمارية إلى قسمين:
1. إدارة الأوراق المالية:
حيث تقوم المصارف بشراء وبيع الأوراق المالية وتحصل على أرباح والأوراق المالية منها ما هو سندات حكومية أو سندات غير حكومية مثل سندات المصارف العقارية أو شركات المرافق العامة وإدارة الأوراق المالية التي تأخذ صورة سندات سواء كانت حكومية أو غير حكومية من الأمور المحرمة شرعًا باعتبار أن السند هو صك قرض ربوي يدر فائدة.
2. الدخول في عمليات المساهمة والاشتراك:
حيث يوظف المصرف جزءًا من موارده في تأسيس مشروعات اقتصادية والاكتتاب في جزء في رأسمالها وهي من الأعمال المباحة لأن حامل السهم شريك يتحمل الربح والخسارة وهو ما يتفق ومفهوم المضاربة.
سادسًا: تقديم الخدمات المصرفية:
ويدخل في هذه الأعمال:
1. تحصيل الكمبيالات والشيكات.
2. تأجير الخزائن.
3. أعمال الوساطة والسمسرة.
4. بيع العملات الأجنبية والشيكات السياحية.
5. الحوالات المالية.
6. تقديم الاستشارات الفنية للمشروعات الاقتصادية.
وتعد الخدمات المصرفية من الأمور المقررة شرعًا حيث يتقاضى المصرف أجرة نظير تأديته لهذه الخدمات.
الفرق بين المصرف الإسلامي والتجاري:
ليس التعامل بالربا هو الفرق الوحيد بين المصرف الإسلامي والتجاري ولكن طبيعة المصرف الإسلامي وعملياته ونظرته تخضع إلى فروقات جوهرية نذكر منها:
1. يجب أن ينصب نشاط المصرف الإسلامي لخدمة الجمهور باعتبار أن مصدر تمويل المصرف من أموال الجمهور ولا يركز نشاطه لخدمة فرد أو جماعة معينة ويجب أن ترتبط أهداف المصرف بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية والحاجات العامة للمجتمع.
2. المصارف الإسلامية شاملة ومتعددة الأغراض وليست مصارف تجارية محضة وهي كيان مركب من المصارف التجارية ومصارف الاستثمار وشركات ومؤسسات إدارة الاستثمار.
3. العلاقة القائمة بين المصرف الإسلامي والمتعاملين أوثق لأنها قائمة على أساس الشراكة.
4. المصارف الإسلامية أكثر جدية في دراسة المشروعات التي تحتاج إلى تمويل من المصرف باعتبار أن المصرف شريك في تنفيذ هذه المشروعات وليس مقرضًا كما هو الحال في المصرف التجاري.
البديل الإسلامي للتعامل بالربا:
المضاربة والشركة وشركة المساهمة
بحث الفقهاء كافة أشكال تنظيم العمل والتي يقوم بموجبها شخصان أو أكثر بجمع مواردهم المالية وخبرتهم الإدارية في تنفيذ المشروعات وكان نتيجة بحثهم استنباط أشكال مختلفة لتنظيم العمل تمثلت في عقد المضاربة والشركة وشركة المساهمة وتعد هذه الأشكال كلها من عقود الأمانة التي تعد من الأمور الواجبة شرعًا.
أولاً: المضاربة:-
هي شكل من أشكال المشاركة بين طرفين:
الأول هو صاحب المال (الممول) ويتصرف تصرف الشريك الموصي.
الثاني ويسمى المضارب (المنظم) وهو يتولى إدارة وتنظيم المشروع.
وفي عقد المضاربة قد يتعدد الممولون وأيضًا قد يتعدد المنظمون.
وتكون عقود المضاربة على نوعين:-
(1) مطلقة: وهي التي لا يتحدد في العقد المدة أو مكان العمل أو نوع التجارة.
(2) مقيدة: فإذا تضمن العقد قيدًا على أحد هذه العناصر أصبحت مقيدة والمنظم هنا ملتزم باحترام القيود والشروط المتفق عليها.
كيفية العمل بعقد المضاربة:-
للمضارب الحق في عمل كل ما تتطلبه المضاربة في إطار الأعمال المعتادة ويكون مسئولاً عن الخسائر الناجمة عن إهماله المتعمد، ويقوم المضارب باحتساب كافة المصاريف التي تحتاجها المضاربة ولا يحمل المضاربة مصاريفه الشخصية، يتم تقسيم الربح الصافي بينه وبين صاحب المال بنسبة عادلة متفق عليها مسبقًا، ولا يتم توزيع أي ربح إلا بعد تغطية كافة المصروفات وكل توزيع قبل انتهاء اتفاق المضاربة يعتبر سلفة على الحساب.
أما الخسائر فيتحملها صاحب المال حيث أنه يخاطر برأسماله بينما يخاطر المنظم بوقته ومجهوده.
فلو اتفق الطرفان على أن يكون الربح من حق المضارب اعتبر الممول مقرضًا وفي حال الخسارة على المنظم إعادة أصل القرض للمقرض، أما إذا اتفق أن يكون الربح من حق الممول فللمنظم أجر المثل مقابل خدماته، فإذا لم يحصل على أي أجر سميت العملية إبضاعًا مثل عملية استثمار أموال الأرامل واليتامى بدون أجر.
ثانيًا: الشركة:
وهي تكون بين شخصين أو أكثر ونشير إلى تقسيم نظري لأشكال بعض الشركات فيمكن تقسيم الشركات حسب طبيعتها إلى ثلاثة أقسام:-
1. شركة أموال: وتكون الشراكة قائمة على أساس مساهمة الشركاء في رأس مال الشركة وفي هذه الشركات توزع الأرباح والخسائر بنسبة مساهمة كل شريك في رأس مال الشركة.
2. شركة الأبدان: وتكون الشراكة قائمة على أساس مساهمة الشركاء في رأس مال الشركة وفي هذه الشركات توزع الأرباح والخسائر بنسبة مساهمة كل شريك في رأس مال الشركة.
3. شركة الوجوه: (الضمان) وتقوم الشراكة بين أفراد لديهم الشهرة والسمعة الائتمانية والصلات الاجتماعية وفي الحالتين (الأبدان والوجوه) لا يوجد لدى الشركاء رأس مال وأيضًا هي من الحالات النادرة نظرًا لعدم وجود رأس مال للشركة.
أما تقسيم الشركات حسب الحصص وتوزيع السلطة فتنقسم إلى قسمين:
(1) شركة مفاوضة: ويكون الشركاء متساويين في مساهمتهم في الشركة وشركات المفاوضة تشمل الأنواع الثلاثة السابقة (مال- عمل- ضمان) إذا تساوت أنصبة الشركاء ومسئوليتهم في إدارة الشركة.
(2) شركة العنان: فلا يطلب أن يكون كافة الشركاء متساوون في رأس المال أو في المسئولية عن إدارة الشركة ولذلك يتفاوت نصيبهم في الأرباح والخسائر حسب مساهمة كل شريك في رأس مال الشركة.
أما من الناحية العملية يمكن أن تقوم الشركات على أساس المزج بين المال والعمل والضمان وكذلك قد لا تتساوى فيها الأنصبة.
ثالثًا: المزج بين الشركة والمضاربة:-
فكما أن الشركة قد لا توجد واقعيًا ضمن أي تصنيف من التصنيفات الثلاثة التقليدية (مال- عمل- ضمان) كذلك فإن المضاربة قد لا تقع أيضًا ضمن التصنيف الكلاسيكي الذي أشرنا إليه، فالوضع العملي في حياة الناس أن الشركات مزيج بين المضاربة والشركة- حيث يسهم كافة الشركاء في رأس المال ولا يسهمون جميعًا في تنظيم المشروع وإدارته، وفي هذه الحالة لا توزع الأرباح طبقًا للمساهمات المالية بل تقسم بأي نسبة يتفق عليها الشركاء بشرط تحقق العدل ومقتضى العدل أن نصيب كل منهم في الربح مع مساهمته في رأس المال ومهارته وقدرته الإدارية.
رابعًا: شركات المساهمة:
تعد شركات المساهمة من الأشكال الحديثة لتنظيم العمل، وشركة المساهمة هي كيان قانوني مستقل وتمثل شخصية اعتبارية، ولا يوجد في كتب الفقه الإسلامي القديم أي بحث يتناول مثل هذا الشكل من أشكال تنظيم العمل ولكن أقرب الأشكال لشركة المساهمة هو بيت المال والمسجد والوقف وشركة المفاوضة.
وقد أجاز الفقهاء العمل وفق نظام شركات المساهمة وبنوا حكمهم على القياس والاستحسان أو المصلحة المرسلة.
وتعد الشركات المساهمة من أنسب الأشكال لتنظيم العمل، فهي تتيح للمدخرين الذين ليس لديهم القدرة على استثمار مدخراتهم بأنفسهم أن يصبحوا شركاء موصين، فأسهم الشركات يمكن شراؤها بسهولة حينما يرغب الفرد بالاستثمار، وسهلة البيع إذا رغب الفرد بالحصول على السيولة وهناك العديد من الميزات التي تتمتع بها شركات المساهمة منها:-
- المسئولية المحدودة لحملة الأسهم.
- قابلية الملكية للتقسيم والانتقال.
- غياب الاعتبار الشخصي بين حملة الأسهم، فالأسهم تنتقل من يد إلى أخرى دون حاجة إلى موافقة المساهمين الآخرين.
- قدرتها على إبرام العقود والتقاضي واستمرار كيانها القانوني بغض النظر عن تغير مساهميها لما تتمتع به من كيان قانوني مستقل.
ولا تقتصر فائدة شركات المساهمة لفئة المدخرين بل توفر لأصحاب المشاريع مبالغ كبيرة من التمويل بالمشاركة.
وتعتمد شركات المساهمة على نظام الاكتتاب في الحصول على حاجاتها التمويلية وهذا لا يعني أن شركات المساهمة لا تستطيع استخدام نظام المضاربة والمرابحة لمواجهة نقص السيولة أو التوسع في مشاريعها.
وتعد شركات المساهمة مزيجًا من شركات المضاربة وشركة العنان لأن حملة الأسهم ليسوا بالضرورة متساويين، ويمثل حملة الأسهم أرباب العمل وفق نظام المضاربة، أما حملة الأسهم الذين يتولون إدارة الشركة فيمثلون (المنظمين).
مساوئ شركات المساهمة:-
(1) غياب العدالة بين المساهمين وبالذات في الشركات الكبيرة وهو ناتج عن سوء الممارسة لدى المديرين الذين يحاولون تحقيق أرباح سرية لأنفسهم بالتلاعب بأسعار الأسهم أو استغلال معرفتهم ببواطن الأمور في الشركة.
(2) ظهور الشركات القابضة التي تحاول السيطرة على العديد من الأعمال والصناعات وتجميعها في عدد محدود من الشركات وهذا يؤدي إلى تركيز الثروة والسلطة.
(3) التقلب العشوائي في أسعار الأسهم وعدم تعبيرها بشكل صادق عن ظروف العمل القائمة وتؤدي لعدم الاستقرار في أسواق الأوراق المالية بسبب اعتمادها على المضاربات المخلة والقائمة أساسًا على الشراء أو البيع الآجل وفق نظام التغطية الهامشية والتي تؤدي إلى توسع أو تقلص حجم الصفقات، ومن ثم أسعار الأوراق المالية دون تغيير فعلي في عرض هذه الأوراق أو الظروف الاقتصادية المحيطة وهذا يعطي سوق الأوراق المالية المزيد من الشك وعدم الاستقرار.
ويساهم تخفيض سعر الفائدة كذلك (بهدف إعادة الصحة إلى السوق) إلى خفض الأسعار وذبح بعض المضاربين في مذبح الآخرين الذين يعرفون ظروف السوق، وهذا يحتاج إلى إصلاح الأسواق المالية للمحافظة على الاستقرار فيها بما يشجع المتعاملين ويعطيهم الثقة في شراء الأسهم.
الإصلاحات في نظام شركات المساهمة:
1. إدخال بعض الإصلاحات في قواعد الوكالة التي يتمتع بها المديرون واحتساب أجورهم وفق نظام المضاربة، فلا يحق لهم الحصول على أجر محدد نظير إدارتهم للشركة، ولكن يقوموا بإدارة الشركة باعتبارهم مضاربين يشاركون في الربح والخسارة وفي هذا حافز كبير لهم حيث تزداد أرباحهم كلما كان أداؤهم الإداري فاعلاً للشركة وتزداد خسائرهم إذا أساءوا في أدائهم حيث تطالهم الخسائر من ناحيتين الأولى بعدم حصولهم على أي عائد طالما لم تتحقق أرباح والثانية باعتبارهم حملة أسهم لهذه الشركة.
2. منع قيام الشركات القابضة لتجنب تركيز الأعمال والصناعات في بضع شركات تسيطر على جزء كبير من الثروة والسلطة في المجتمع.
3. إصلاح مصافق الأوراق المالية (البورصات) بما يضمن استقرار أسعار الأسهم وتمتعها بالثقة لدى المتعاملين.
إصلاح أسواق الأوراق المالية (البورصات، المصافق)
إن اعتماد الاقتصاد الإسلامي على نظام التمويل بالمشاركة يحتاج إلى إيجاد تنظيم يتمتع بالكفاءة للأسواق المالية سواء الأسواق المالية الأولية أو الثانوية وذلك حتى تتمكن المنشآت التجارية من الحصول على تمويل مشروعاتها دون صعوبة وتمكن المستثمرين بأسهم الشركات من الحصول على السيولة عند الحاجة.
وأهم الإصلاحات التي تحتاجها الأسواق المالية:-
1. تحقيق سلوك رشيد في أسعار الأوراق المالية.
2. تحقيق معدلات معقولة لأرباح الأوراق المالية.
فإذا تحققت هذه الإصلاحات أمكن للأسواق المالية كسب ثقة المتعاملين بالأسهم والأوراق المالية.
فالأسواق المالية في العالم الرأسمالي تعاني من تقلبات حادة وعشوائية مع تدني معدلات الأرباح، بل إن خطر الخسارة كبير.
وأهم العوامل التي تؤدي إلى عدم استقرار الأسواق المالية هي عمليات المضاربة المخلة والتي تعتمد على نظام الشراء أو البيع بهامش من التغطية ودون وجود أي نية من المضاربين في التقابض الفعلي للأسهم.
ووفقًا للشراء بالتغطية يقوم العميل بإيداع هامش من قيمة الصفقة على صورة نقود أو أوراق مالية، ويقوم السمسار بإقراض العميل بقية قيمة الصفقة وعادة ما يقوم العميل بتقديم رهن بقيمة الدين.
وفي حالة ارتفاع أسعار الأوراق المالية يقوم العميل بسحب النقود من حسابه لدى السمسار، أما إذا انخفضت الأسعار فيجب عليه إيداع نقود لدى السمسار ليظل محافظًا على الصفقة.
إن البيع أو الشراء بهذه الطريقة يسبب توسعًا في حجم الصفقات دون أن يقابل هذا التوسع تغير فعلي في عرض هذه الأوراق أو في الظروف الاقتصادية، وكلما انخفض هامش التغطية الذي يتم التعامل به في سوق الأوراق المالية كلما زاد من تولد حرارة غير ضرورية في السوق، والعكس في حال رفع هامش التغطية من أجل إعادة الصحة إلى السوق يجبر بعض المضاربين على تصفية مراكزهم وهذا يؤدي إلى خفض الأسعار وذبح بعض المضاربين في مذبح الآخرين المطلعين على ظروف السوق.
إن المضاربات التجارية في سوق الأوراق المالية تؤدي إلى تأرجحات كبيرة في الأسعار، فعندما يتوقع المضاربون ارتفاع الأسعار يحدث إفراط في الشراء والعكس في حال توقعهم هبوط الأسعار يحدث إفراط في البيع.
ومن أجل الوصول إلى سوق صحيحة للتعامل في سوق الأوراق المالية لابد من العمل وفق إجراءات تعتمد على ثلاثة عناصر في آن واحد هي:
1. قبض الأوراق المالية فعليًا من قبل المشتري.
2. دفع قيمة الصفقة كاملاً مقابل استلامه للأوراق المالية.
3. توفر النية لدى المشتري بالاحتفاظ بهذه الأوراق وعدم إدخالها في مضاربات للحصول على المكاسب من فروق الأسعار.
إن مثل هذه الإجراءات من شأنه القضاء على الحركات اللولبية داخل الأسواق المالية وتعطيها نوعًا من الاستقرار الذي يكسبها ثقة المتعاملين وبالتالي تصبح هذه الأسواق تنظيمًا ماليًا فاعلاً يؤدي دوره في الحياة الاقتصادية.